الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية الــقــلـم الــحــــر: ما حدث في مصر يسيء لشرف القضاء

نشر في  10 أوت 2016  (10:57)

بقلم الأستاذ عفيف البوني


ما سأكتبه في هذا العمود اليوم، ﻻ يخل بقناعتي حول استقلال ونزاهة القضاء في مصر، باستثناء  ما يعد من الشذوذ  أو الحالات الخاصة كما في كل زمان ومكان.
ما حدث أخيرا في مصر وقرأت عنه في الإعلام هو إصدار القضاء المصري حكما قضائيا نهائيا وباتا في مستوى الجناحي وفي محكمة اﻹستئناف ثم إقرارا عبر محكمة النقض، ما يقابل التعقيب في  تونس، هذا الحكم بالسجن مدة سنة في اﻹستئناف، بعد أن حكمت محكمة الجنح ب 5 سنوات، صدر من القضاء المصري ضد المتهم إسلام البحيري، وموضوع اتهامه، أخذ من مادة تنشيطه  في إحدى الإذاعات او القنوات التلفزية ، حيث نقد ودعا الى عدم اعتبار او اعتماد المسلمين  في دينهم على صحيحي  البخاري، ذلك الكتاب الذي دون كل ماقيل وما روي وما وضع من
اﻷحاديث المنسوبة للرسول محمد، وعددها وحيثيات سياقاتها وتفاصيلها، والمدة الزمنية التي تغطيها وكثرة العنعنات واﻷسماء الراوية والحافظة والناقلة والمنقول عنها ، هي من حيث الكم والتعقيد والكثرة، بحيث يعجز فريق كبير من المتخصصين في عصرنا على إنجازه، وبكل ما يملكون من التقنيات الحديثة، لو أرادوا أن يدونوا ويضبطوا، ما يقوله رئيس او ملك معاصرلهم ويسمــح لهم بتـدوين اقواله واعماله.
إسلام البحيري، أدانه القضاء المصري، اعتمادا على القانون المتخلف، ﻷنه دعا الى  أﻻ يصدق المسلمون مرويات صحيح البخاري، وقد وقع تبرير حكم إدانة بأنه ارتكب جريمة ازدراء اﻹسلام!!!
حسب منطق هذا الحكم اﻹسلام لم يعد يعني القرآن والحديث الصحيح، بل يعني القرآن وصحيح البخاري!!
ومن غرائب ما في مصر من تأثيرات فكر الإخوان منذ زمن طويل أن مؤسسة الجامع اﻷزهرتعقب أي تنظر في اﻷحكام خصوصا ذات الصلة بالدين، وحين نظرت في الحكم المذكور، وافقت عليه واعتبرت ان نقد صحيح البخاري، من اﻷفكار التي تمس بثوابت اﻹسلام كما تراه هي.
ماذا يبقى في دستور مصر ما بعد الثورة؟ وماذا يبقى من الحقوق ومن الحريات للكتاب والمفكرين والنقاد والفلاسفة واﻷدباء والمبدعين في مصر ان هم اتعظوا بهذا الحكم؟!
هذه سقطة في تاريخ القضاء المصري وثغرة كبيرة في القانون المصري، وهذه الثغرة وتلك السقطة، ﻻ تناﻻن من رصيد نزاهة القضاء في مصر.وعلينا أن نحذر في تونس  من أن يقع ذات يوم  القضاء في عدد من ألغام دستور 2014، في ما يمس من الحريات الفكرية والدينية والأكاديمية واﻹبداعية، باسم تأويل متخلف لما أراد المريدون وقبل به المحاصصون، من وصع عبارة ، الدولة تلتزم بحماية المقدسات ومنع النيل منها (الفصل 6).
لقد نشأت كل الثقافات والحضارات انطلاقا واعتمادا على النقد، وﻻ شيء يعلو على النقد، حتى باسم الدين، ونقد كل الكتب الدينية في اﻻسلام وغيره، تحتل أولوية اﻷولويات حتى تتقدم اﻹنسانية في الحريات والحقوق والتنمية في العلم والعمل.